(1945- ...) (الچِنْتِل) عمل بالصحافة والترجمة من السبعينات، أثرى المكتبة العربية بالكثير من الترجمات من الإنجليزية والإسبانية والفرنسية... اهتمَّ بترجمة الفلسفة، وخاصَّةً مدارس المَواقِفيَّة والأناركية، وأدب أمريكا اللاتينية، حيث ترجم منها مع مركز المحروسة: "الأناركية والثورة والإنسان"، "ألف باء دولوز"، "محاورات دولوز"، و"الرقصة السكنة" لمانويل سكورزا.
القَضيَّةُ أَمْ الذَّات؟ "وشَكَكتُ أنَّ الإنسان ذاتَه هو استعارَةٌ يَكسوها اللَّحمُ مُؤقَّتًا. هَل الإنسانُ لحمٌ يَكسو استعارَةً، أَمْ استِعارةٌ تُغَلِّفُ اللَّحمَ؟ فيما وراءَ الرِّياضيَّات الشَّائِعَة، خارِجَ مُتَناوَلِنا الغَبيِّ في الوَقتِ الحاضِر، هل تُفسِّرُ رياضيَّاتٌ سامِيَةٌ بوضوحٍ الخفايا الوَضَّاءَةَ للرَّغبَة، للغيرَة، للذِّكرى، للخِداعِ، للنِّسيان، للتَّلاعُب، لِتَعويضِ الخَسائِر، لِتَنازُلاتِ وانتِقاماتِ الحُبِّ والكُرْه، تِلكَ الأَحاجي الَّتي تُعَذِّبُنا؟ في النَّسَق الكَبير للكَونِ، بالنِّسبَةِ ‘للرِّياضيِّ الأَعظَمِ’ الَّذي يَتَسلَّى بِجَعلِنا نَعتَقِدُ أنَّنا أكثرُ مِن مُجرَّدِ تَبَدِّياتٍ، مُجرَّد رُموزٍ محكومٍ عليها بأن تُطيعَ -لا مَحالَةَ- اتِّجاهَ حَلَزونِها، هل تَجِدُ مَشاعِرُنا التَّعبيرَ عنها في مُعادَلاتٍ بسيطَةٍ بصورَةٍ باهِرَة؟ وبألَمٍ، بِحُبٍّ، بِرَغبَةٍ تَساءَلتُ: ماذا يُمكِنُ أن تَكونَ المعادَلةُ القادِرةُ على أن تَفتَحَ لي طريقًا صَوبَ حُبِّ تِلكَ المرأة.
هَذا أَكثَرُ كُتُبِ دولوز شَخصِيَّةً، وأَقرَبُها مَنالًا، يُتيحُ أَفضَلَ تَقديمٍ لِفِكْرِه، لا كَعَرْضٍ مَدرَسِيٍّ، بَل بالشَّكلِ الَّذي يَتَّفِقُ مع بِنيَةِ هذا الفِكْرِ. لَيسَ الكِتابُ "حوارًا" أو "مُحادَثَةً"، رَغمَ أَنَّ بِهِ عَناصِرَ مِنْ كِلَيْهِما، فَقَد وَجَدَ دولوز صيغَةَ السُّؤالِ والجَوابِ خانِقَةً، وأَرادَ شَكلًا يُتيحُ "مُحاوَرَةً" دونَ فَرْضِ تَرتيبٍ خارِجِيٍّ، قَسْرِيٍّ عَلَيها. إِنَّه يَنمو في اتِّجاهاتٍ عَديدَةٍ: في الفَلسَفَةِ، والأَدَبِ، والتَّحليلِ النَّفسيِّ، والسِّياسَة- دون مَبدَأٍ تَنظيميٍّ شامِلٍ. إنَّهُ -بمُصطَلَحاتِ دولوز- الكِتابُ بِوَصفِهِ آلَةَ حَربٍ، بِوَصفِهِ "ريزومة". تَغيبُ هُنا مَراتِبِيَّةِ الجِذرِ، والجِذْعِ، والغُصنِ، لِتُطالِعَنا كَثرَةٌ مِنَ البَراعِمِ المتَشابِكَةِ فيما بَينَها تَنبُتُ في كُلِّ الاتِّجاهاتِ. إنَّه، مِن ثَمَّ، شَرحٌ، وكَذَلِكَ تَمثيلٌ لـ "التَّعَدُّديَّةِ الدُّولوزيَّة". مَدخَلٌ مُهِمٌّ لأَحَدِ أَهَمِّ وأَخصَبِ مُفَكِّري القَرنِ العِشرينَ، يُقَدِّمُ استِبْصاراتٍ عَميقَةً وتَطبيقًا حَيًّا لمُمارَسَةِ الفَلسَفَةِ باعتِبارِها عِلمَ إبْداعِ المفاهيمِ. يَستَعرِضُ فيه خَلفِيَّاتِه الفَلسَفيَّةَ، وتَطَوُّرَه، والتِّيماتِ المحوَريَّةَ لِعَمَلِه، وَتعاوُنَهُ الطَّويلَ مَعَ صَديقِهِ فيليكس جاتاري، الَّذي كَتَبَ مَعَهُ بَعضًا مِنْ أَهَمِّ النُّصوصِ الفَلسَفِيَّةِ لِلقَرنِ العِشرين.
سِياحَةٌ مُمتِعَةٌ في عَقلِ وقَلبِ فَيلسوفِ الـﭘوپ، شاعِرِ الفَلاسِفَةِ. يُصارِحُنا عَن طُفولَتِه مِثلَمَا عَن شَيخوخَتِه: "الشَّيْخوخَةُ عَظيمَةٌ مَعَ ما يَكفي مِنَ النُّقودِ والقَليلِ مِنَ الصِّحَّةِ المتَبَقِّيَةِ... لَكِنَّها بَهجَةٌ خالِصَةٌ". عَنْ أساتِذَتِه، وتَأهيلِهِ، وفَلاسِفَتِه الأَثيرين. "لا يَحتاجُ المَرْءُ أَنْ يَكونَ فَيلَسوفًا كَيْ يَقرَأَ الفَلسَفَةَ"، وكَذَلِكَ عَنْ عَلاقَتِهِ بالأَدَبِ: "الشُّخوصُ الأَدَبيَّةُ العَظيمَةُ هُمْ مُفَكِّرونَ عِظامٌ"، والسِّينما والرَّسمِ والموسيقَى والعُلومِ. عَن الثَّوراتِ: "كُلُّ الثَّورَاتِ تَفشَلُ، الجَميعُ يَعرِفون ذَلِكَ،... ولَمْ يُوقِفْ ذَلِكَ النَّاسَ أَبَدًا أَو يَمنَعْهُم مِن أَنْ يَصيروا ثَوريِّين". عَن مايو 68: "مايو 68 كان الصَّيرورَةَ ـ ثَوريًّا، دونَ مُستَقبَلٍ ثَورِيٍّ". عَن الفَتراتِ الثَّرِيَّةِ والمُجْدِبَةِ: "لَيسَت حَقيقَةُ الفَقرِ هِيَ ما أَجِدُهُ مُزعِجًا، بَلْ وَقاحَةَ وَصَفاقَةَ النَّاسِ الَّذينَ يَقطُنونَ الفَتَراتِ المُجْدِبَةَ". عن عَلاقَتِه بالأَصدِقاءِ: "الصَّداقَةُ فَنٌّ فُكاهِيٌّ"، والحيوانات، بالمَرَضِ والشَّرابِ، بِالسَّفَرِ والرِّياضَةِ. عَن السُّلطَةِ: "كُلُّ سُلطَةٍ حَزينَةٌ، حَتَّى لَو بَدَا أَنَّ مَنْ يَملِكُونها مَسرورين بامتِلاكِها". عن المَسؤولِيَّةِ، أَوَّلًا وأَخيرًا. عَن حَفْزِ قُدراتِ الحَياةِ: "المَرءُ مَسؤولٌ تَمامًا عَن أَيِّ شَخصٍ تَمضي أُمورُه بِشَكلٍ سَيِّئٍ". قِراءَةٌ مُلهِمَةٌ لِمُفَكِّرٍ مَوسوعِيٍّ.
إنَّ مُغامَراتِ عازِفِ بيانو مُفلِسٍ، يُبدِّلُ حِسُّ الفُكاهَةِ لَدَيهِ مَرارَةَ حَياةٍ حافِلَةٍ بالهَزائِمِ، هي الدَّافِعُ الأَوَّلُ الَّذي يَمنَحُ زَخَمًا لِحكاياتِ الأُوروجوايَّاني فليسبرتو إرناندِث. ما أَنْ يَشرَعُ في حَكيِ التَّعاساتِ الصَّغيرَةِ لِوجودٍ يَنصَرِفُ بَينَ فِرَقِ الأوركسترا الصَّغيرَةِ لِمقاهي مُونتڤيديو، وجَولاتِ الحَفلاتِ الموسيقيَّةِ في قُرَى رِيف الرِّيو دي لا بلاتا، حَتَّى تَتزاحَمَ فَوقَ الصَّفحَةِ القَفشاتُ والهَلوَساتُ والاستِعاراتُ الَّتي تَكتَسِبُ فيها الأَشياءُ حَياةً كالأَشخاصِ... لَكِنْ ما يُطلِقُ عَنانَ فانتازيا فليسبرتو هي الدَّعواتُ غَيرُ المُتَوقَّعَةِ الَّتي تَفتَحُ لِعازِفِ البيانو الخَجولِ أَبوابَ مَنازِلَ غامِضَةٍ، ودُورًا ريفيَّةً مُوحِشَةُ تُقيمُ فيها شَخصيَّاتٌ ثَرِيَّةٌ وغَريبَةُ الأَطوارِ، ونِساءٌ مُمتَلِئاتٌ بِالأسرارِ والعُصاب.